علمني محمد الشارخ: درس من فارس تعريب الحاسوب

 

حتى بعد وفاته، لم يتوقف المرحوم محمد الشارخ، أسطورة التعريب التكنولوجي، عن تعليمنا الدروس القيمة.

فقبل قرابة الشهر، واجهتُ معضلة عند إنشاء مدونتي الإلكترونية. اذ راودتني الحيرة بين اختيار اللغة الإنجليزية، التي أجيدها و لها جمهور واسع، أو اللغة العربية، لغتي الأم التي تعاني محتوى تقني محدود ولكن في المقابل جمهورها صغير جدا بالمقارنة مع الانجليزية.

وقد رجحت كفة اللغة الإنجليزية لدي، بحثًا عن جمهور أوسع، وفعلاً حظيتُ بمشاهدات عالية نسبيا لمقالاتي التجريبية. مما يكاد يناهز عدد قراء المقالات لأفضل المدونات العربية.

جاءت وفاة محمد الشارخ، رحمه الله، لتُعيد توجيه مسار مدونتي. شاهدتُ فيديو لليوتيوبر عربي يتحدث عن إنجازات الراحل محمد الشارخ، الرجل الذي صُنع أول حاسوب استخدمته شخصيا (الوركاء) حينما كنت طالبا في جامعة الموصل عام 1991 ثم جامعة بغداد وأول حاسوب اقتنيته (صخر) عام 1993.

وبعد حديث مع صديق (مولع بالتكنولوجيا واللغة العربية معا)، وتحدثنا عن محمد الشارخ رحمه الله وانجازاته وعن وجوب استكمال ما بدأه من انشاء للمحتوى العربي التقني، قررتُ تغيير محتوى مدونتي إلى العربية. فإثراء المحتوى العربي أكثر فائدة من إثراء محتوى ثري اصلا كاللغة الإنجليزية وان يقرأ لي قارئ عربي واحد خير من ان يقرأ لي عشر قراء من غير العرب.

وقد يتساءل البعض ولن ادعي المفاجأة "من هو محمد الشارخ؟" ولهم اقول:

محمد عبد الرحمن الشارخ، اسم لامع في عالم التكنولوجيا العربية، يُعرف بـ "أبو تعريب الحاسوب". رحلة هذا الرجل استثنائية، بدأت من الكويت عام 1942، مروراً بتأسيس شركة "صخر" عام 1982، وصولاً إلى إنجازاته الباهرة في تعريب الحاسوب.

إنجازات خالدة:

·       أول من أدخل اللغة العربية إلى الحواسيب.

·       تطوير برامج تعليمية وثقافية باللغة العربية.

·       تأسيس معاهد لتعليم البرمجة وتدريب المدرسين.

·       إنجاز أرشيف المعلومات الإسلامية.

·       ترجمة برامج مهمة مثل القرآن الكريم.

جوائز وتكريمات تُوّج مسيرته:

·       جائزة الشخصية العربية المتميزة عام 2008.

·       جائزة "رائد التكنولوجيا العربية" عام 2012.

·       وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 2018.

إرث يخلّد ذكراه:

·       ساهم بشكل كبير في نشر اللغة العربية في عالم التكنولوجيا.

·       ألهم أجيالًا من رواد التكنولوجيا العربية.

·       رمز للتقدم والابتكار في العالم العربي.

رحل فارس اللغة العربية، تاركاً إرثاً خالداً وإنجازات لا تُنسى.

لم ترحمه السياسة، فتكت باعماله الحرب العراقية الكويتية، ورأى أجهزة حاسوبه تنهب ولم يستطع أن يفعل شيئًا سوى الانتقال إلى مصر ليعيد أمجاد شركته التي دمرتها الحرب. تحولت من شركة باعت عشرات وربما مئات الالاف من الحواسيب الشخصية إلى شركة متخصصة بالسوفتوير فقط لضعف الامكانيات.

شركته لم ترحمها الأيام، فبالرغم من كل العقبات التي واجهتها ووقوفها بدون كلل ولا ملل مرة اخرى وبدون أن تلتفت إليها أي حكومة عربية، لم تسلم هذه الشركة من "طعنة بالظهر" وجهها إليها بيل غيتس.

 كان قد تعاقد معها لكي يتم تعريب ويندوز 3 الذي لم يلاق رواجًا في البلدان العربية بسبب رداءة تبنيه للغة العربية. قام الشارخ بارسال اكبر خبيرين بالشركة الى مايكروسوفت بامواله الخاصة، لكن مايكروسوفت بقيادة بيل غيتس قررت أن تقضي على الشركة التي تعاني اصلا بسبب الحرب وان تتعاقد مع المهندسين الاعلى وباسلوب لم تعهده اي مهنة شريفة ولم تقم به اي شركة محترمة.

لم تقف مكتوفة اليدين، بل قدمت لنا برامج عدة منها برامج التعرف على الكتابة العربية (OCR) وبرامج الترجمة التي سبقت ترجمة غوغل بسنوات.

رحل الشارخ، بطل اللغة العربية الذي ادخلها الى عالم التقنية بالاصرار والعمل الجاد رغم صعوبة الامر من حيث خصائص هذه اللغة التي تكتب من اليمين على عكس اللغات الاخرى ولها حركات يمكن ان تغير المعنى بشكل كبير، رحل واستطيع القول انه رحل بصمت لا يليق لمن هم مثله. لم تتلق وفاته معشار الصدى الذي تتلقاه وفاة فنان او رياضي او رجل سياسة. وكما لم تنصفه الحكومات العربية حيا لم تنصفه الحكومات ولا حتى الاعلام ميتا.

رحم الله الشارخ وتغمده فسيح جنانه

ومن هنا أدعو كل من يقرأ مقالي المتواضع هذا أن يفكل جديا في الاستنارة بدرب هذا الرجل كما اقترح على الاجيال الشابة ان تخلد ذكراه بتسمية منجزاتها باسمه.. لعلنا نجد المناهج العربية في المستقبل تذكرنا به بفخر.

محمد رضا عباس، العراق